البتكوين المال الأخلاقي الأوحد

Thomas
6 min readMar 15, 2021

Translated by SB3

يصلح البتكوين هذا، أعظم وأصدق ميم جاء به مجتمع البتكوين. لم يكن ظهور البتكوين مستقلًّا عن بقية أركان المجتمع، لأن أعمدة المجتمع وعوامل الاقتصاد مترابطة. تقترح نظريتي أن المال أو *الشبكات المالية* ليست نظام تشغيل لمستويات الاقتصاد الكلية والجزئية فقط، بل وهي نظام تشغيل الحضارة كلها. المال وحدة حساب، ومقياس للقيمة التي نقدمها لإخوتنا وأخواتنا في مجتمعنا، وهو أداة الحساب الاقتصادي، التي تتيح لمستعملي الشبكة المالية المذكورة أن يخططوا مواردهم المالية ومن ثم حيواتهم الاقتصادية والاجتماعية، وهو بعد ذلك كله، مخزن للقيمة، وبهذا المعنى فهو واحد من «حقوق الإنسان الأساسية» القليلة جدًّا. يعمل الأفراد المنتجون ساعات لينتجوا قيمة، ويحصلون بالمقابل على قيمة ليخزنوها لأنفسهم. المال من حقوق الإنسان لأنه يتيح للبشر ألّا يكونوا عبيدًا غير مأجورين. وهذا هو الذي يدفعهم إلى أن يكونوا منتجين ومبدعين. فإذا كان كل هذا هكذا، أمكَن للمرء أن يستنتج أن المال متعلّق بكل ناحية من نواحي حياتنا اليومية. «يصلح البتكوين هذا»، ليس مجرد ميم، بل معناه: إذا كان المال فاسدًا أخلاقيًّا، كانت عواقب ذلك وخيمةً على المجتمع. ولكن، كيف خرج البتكوين عن مظلة «المال الفاسد أخلاقيًّا»؟ ما الذي جعل البتكوين أخلاقيًّا ومختلفًا عن كل مال استعمله أسلافنا من قبل؟

لن يزال عند البشر نزعات فاسدة أخلاقيًّا

مَنْ كانَ مِنكُم بلا خطيّة فلْيرمِها أوّلًا بحجر — يوحنا 8:7

ما أقربَ الإمكان من الوقوع. إن في البشر -في معظم الأحوال- كل دوافع الفساد إذا هُم تُركوا من غير مسؤولية عن سوء تصرّفهم. إذا كان لإنسان أن يتولّى نظام تشغيل الحضارة، الذي هو شبكتها المالية على ما اقترحناه أعلاه، فإن احتمال فساد هذه الشبكة عالٍ. فإذا كان إفسادها يفيد حُماتها مباشرة، فالاحتمال مضاعف. قد يكون الفساد أحيانًا نتيجة نقصٍ في الكفاءة، لكن الأعمّ والأشهر أنه نتيجة فساد في النيّات. بعبارة أخرى: قد يكره حماة الشبكة المالية إفسادها، ولكنهم أحيانًا غير أكفاء لحمايتها. قلة الكفاءة طبيعة بشرية، لا مناص عن الأخطاء البشرية. ولكن الأخطر عندما يرغب حماة الشبكة في إفسادها. عند ذلك يولد المال الفاسد، من رحم السلوك الإنساني الفاسد. ولكن الأخلاق خالدة. القيم المسيحية خالدة. مهما حاولنا هدم معنى الأخلاق وحاولنا أن نأتي بآرائنا الذاتية عن الصواب والخطأ، فإن القيَم كلّها التي أُنزلت إلينا من الله نفسه ستبقى هي الحقيقة المطلقة. والصالحون من الناس يفهمون هذا، ويعرفون أن الابتعاد عن تعاليم الله يؤدي -في هذه الحالة المخصوصة- إلى تدمير الحضارة.

لا تتكلوا على الرؤساء، ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده— المزمور 146:3

الإمبراطور نيرون، الرجل الذي حطّ قيمة الديناريوس والأوريوس الرومانيين

غلب على أمر الملوك الثيوقراطيين القدماء، أنهم لا يعمدون إلى إفساد الشبكة المالية التي هم حماتها، ولكن المعضلة أنهم فعلوا ذلك مرّات كثيرة، وكانت العواقب وخيمة على الإدراك الأخلاقي الكلي في المجتمع. عندما تكون البنية التحتية للحضارة فاسدة أخلاقيًّا، يربّي المجتمع ناسًا فاسدين أخلاقيًّا. وهو ما يوصلنا إلى حقيقة أن الناس لن يزال عندهم نزعات فاسدة، وإلى حقيقة أن الله ليس موجودًا على الأرض وأنّه، في رأيي، لا يتدخل فيها مطلقًا. منحنا الله حرية أن نكون فاسدين، لكنه حذرنا من عواقب هذه الأعمال. اختار بعض الناس أن يسمع، واختار آخرون ألا يسمعوا. فإذا كان الأمر هكذا، كيف يمكننا أن نترك مصير الحضارة في أيدي الخاطئين والفاسدين؟ أليس على الصالحين أن يحموا أنفسهم من الفساد؟

الأخلاق والأخلاق الزائفة

بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص — متّى 21:12

إن الشبكات المالية التي تعتمد على أخلاق الإنسان لتعمل عملًا صحيحًا في خطرٍ هو اليوم أكبر من أي عصر مضى.

وقد ذكرت أعلاه أنه في أيام الملوك الثيوقراطيين، كان لدى حماة الشبكات المالية فهم كامل للصواب والخطأ. كان هذا الفهم مشتقًّا من التعاليم المسيحية. وقد أقام هؤلاء الملوك كل جانب من جوانب الحضارة على هذه التعاليم. وأقام أهل الحضارة كل حيواتهم على هذه البنية التحتية. وهي بنية تحتية موضوعية تمامًا من حيث النظام الأخلاقي. وكان حماة الشبكة المالية يقيسون أفعالهم بناءً على هذا: إذا عملت عملًا صالحًا صادقًا، ستُثاب خيرًا، وإذا عملت عملًا فاسدًا خادعًا، سُتجازى شرًّا. ومن ثم، فإنّ عملية حطّ العملة، التي سمّيناها هنا «إفساد الشبكة المالية»، كانت تعتبر عملًا فاسدًا أخلاقيًّا، ومن ثم «مالًا فاسدًا أخلاقيًّا». إنّ حطّ العملة سرقة مباشرة، والسرقة ببساطة خاطئة، أو على الأقل هكذا كان رأينا فيها بالمعنى الموضوعي للأخلاق. السرقة فساد أخلاقي.

الأخلاق الزائفة هي عندما نحاول نحن، المجتمع، أن نجعل العمل الفاسد صالحًا. يحمي الشبكات المالية اليوم أناس يخادعوننا بأخلاقهم الزائفة، وهو ما يفسر خطر الانهيار الكامل المحدق بها. يحاول الحماة المحدَثون لأنظمة تشغيل الحضارة باستمرار إقناعنا بأن حطّ العملة (أي إفساد الشبكة المالية) ينفعنا. يقولون إن السرقة من الأفراد إنما هي لصالح المجتمع العام. ولكنها ليست كذلك. وقد فصّلت هذه الفكرة أكثر في مقالتي «المنتجون ومنتجو المال، الطبقتان الوحيدتان». السرقة سرقة، الخطأ خطأ. هكذا هي الأخلاق. ليس فيها «لكن». وإن الدوافع إلى الفساد الأخلاقي أكبر بكثير من الدوافع إلى الصلاح في هذه الحالة. من وجهة نظر مؤسسي الحضارة، المدنيين (أدنى الهرم)، فإن محاولتنا للحفاظ على الحضارة ستذهب سدى إذا كانت البنية التحتية للحضارة قائمة على المال الفاسد. وهكذا «يصلح البتكوين هذا»، بكونه المال الأخلاقي المطلق.

البتكوين مالًا أخلاقيًّا

ليس للبتكوين حامٍ واحد، بل كل الناس حماته.

كما ذكرنا سابقًا، كانت الشبكات المالية تتطلب مجموعة مخصوصة من الناس لتحافظ على عملها. وقد أثبتنا أن الفساد الأخلاقي ممكنٌ وواقعٌ في البشر. ومن ثم فإن احتمال تولي الخاطئين والأشرار حماية الشبكة المالية احتمال كبير. في البتكوين، نحن غير محتاجين إلى الحامي المستبد لنحافظ على عمل الشبكة، بل الشبكة يحميها مستخدموها، الذين يستعملون عُقدهم لتحقيق كل شيء فيها. من ثم فإن البتكوين مال أخلاقي صادق. يمكن لأي أحد أن يتثبّت من كل تحويل جرى على الشبكة منذ ابتدائها في أي مكان من العالم إذا توفرت عنده الكهرباء والوصول إلى الإنترنت. الدوافع لإفساد البتكوين غير موجودة. كل الدوافع تؤدي إلى جعل البتكوين أخلاقيًّا، ولكن حتى إذا استُطيع تخطي هذه الدوافع بطريقة ما، فإن مستخدمي الشبكة، الذين يراقبونها دائمًا، لن يسمحوا لأي أحد أن يحيد عن البروتوكول الذي وضعه ساتوشي ناكاموتو.

لا يمكن تضخيم البتكوين.

في الشبكات المالية القديمة، كان عند حماة الشبكة كل دافع ليكونوا كانتيلونيين بزيادة المعروض النقدي أو حطّ قيمة العملة واكتناز العملات الحديثة. هذا مستحيل في البتكوين. لن يكون عندنا إلا 21 مليون بتكوين أبدًا. ليس في مصلحة أحد، ولا في مستطاع أحد، أن يزيد معروض البتكوين أكثر من ذلك. إن عملية حطّ العملة، التي رأينا أعلاه أنها سرقة، هي عمل فاسدٌ أخلاقيًّا، جعله البتكوين مستحيلًا. هذا الذي يجعل البتكوين مالًا أخلاقيًّا، بمعنى أن حماته لا يستطيعون استغلال منصبهم ليسرقوا من بقية مستخدمي الشبكة، الذين هم الحضارة كلها.

لا يمكن مصادرة البتكوين.

المصادرة سرقة، ومن ثم فهي فساد أخلاقي. في الشبكات المالية القديمة، لا سيما التي تعتمد اعتمادًا كلّيًّا على المصرفية المركزية، سلبُ المال تهديد كبير واقع على كل المستخدمين. لأن كل أموال الحضارة مودَعة في المصارف المركزية. هذه المصارف التي يديرها حماة الشبكات المالية، تستطيع ببساطة أن تسرق المال من المشتركين في الشبكة وتكتنزه لنفسها. أما في البتكوين، فإن كل عضو في الشبكة هو مصرف نفسه. إذ يحفظ كل عضو مفاتيحه، ولا يستطيع الوصول إلى المال إلا من كانت عنده المفاتيح. يمكن أن تُحفَظ المفاتيح في عقل صاحب البتكوين. حظًّا سعيدًا في اختراق العقل البشري. البتكوين منيع على المصادرة. البتكوين منيع على السرقة. البتكوين مال أخلاقي.

الحضارة الفاسدة ونشوء حضارة البتكوين

عندما يصبح المال الأخلاقي، أي البتكوين، نظام تشغيل الحضارة، ستعمّ الأخلاق الموضوعية في المجتمع حتمًا.

إن وجود السرقة المنظمة (التضخم) في حضارتنا الحالية، بكل أشكالها المبرّرة، جعلتنا أفسَد أخلاقيًّا وأتاحت لنا تبرير مسالكنا الفاسدة. لقد تبدّل فهمنا لتجميع الثروة، فصار منافسة دائمة مع إخواننا البشر، بعد أن كان تحقيقًا للذات. منافسة يجب أن نفوز فيها بشتى الوسائل. يجب على الناس أن ينهَكوا في تجميع الثروة. لأن غيرَنا يسرق منّا، نبرر سرقتنا من غيرنا. نقول إن هذه هي طبيعة الأشياء وإن هذا هو العمل. عندما تكون جائعًا حقًّا، بالمعنى المتطرّف للجوع، يمكن تبرير سرقة رغيف خبز. ولكن لا ينبغي أن يكون هذا هو الحال، فالسرقة عمل فاسد، أجبرنا عليه المال الفاسد. أما البتكوين فهو مال أخلاقي اضطرّتنا إليه حضارة فاسدة فسادًا لا يحتمل. ستنشأ حضارة البتكوين الأخلاقية من يأس كبير. سيبني الرجال الأقوياء الذين صعّب أزمنتهم الماضي الفاسد أزمنةً صالحة، أزمنةً ستخلد للأبد. ستقوم حضارة البتكوين الأخلاقية على بنية تحتية لا يتطرق إليها الفساد، وهو ما سيجعل الأخلاقية الموضوعية ضرورة. إذا جعلنا نظام تشغيلنا أخلاقيًّا، سيظهر هذا في كل عمود من أعمدة المجتمع. يصلح البتكوين الحضارة كلها.

English Version: Bitcoin: The Only Moral Money

--

--

Thomas

Hard Money, Bitcoin, Lebanon, Austrian Econ, History, Hodler